Sunday, May 15, 2011

مصير الثورة الليبية مرتبط بقراءة في تاريخ الثورات

التاريخ  الحديث مليىء بتجارب ثورات قامت ضد أحكام طاغية  لكن البعض منها نجح والبعض الآخر فشل  في تحقيق آمال شعوبها ولابد للثورة الليبية من قراءة كل الملابسات التي أدت إلى نجاح أو فشل هذه الثورات أو تلك في برنامجها حتى لاتقع في المحظور وفي مايلي بعض الأمثلة:
1.       الثورة الأمريكية استفادت من موجة التنوير الفكري الذي اجتاح أوروبا متمثلا في أفكار جون لوك و جان جاك روسو ومونت سيكيو وغيرهم و توجت  هذه الثورة بإعلان وثيقة الإستقلال عن انجلترا  سنة 1776 وبعد ذلك بإعلان الدستور ووثيقة الحقوق وقد تميزت هذه الثورة باعتماد التسامح الديني و وضع القوة العسكرية تحت إمرة السلطة المدنية وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة كما أنها حظيت بقيادة أشخاص لم يسعوا إلى الكسب الشخصي فقد رفض جورج واشنطن أن يتقاضى راتبا لنفسه  مقابل قيادته لجيش التحرير  ضد الجيش الإنجليزي ولا مقابل توليه منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد مما أعطى مثلا أعلى يحتذى به. الجدير بالذكر أن هذه الثورة مرت بصعوبات في بدايتها لا تختلف كثيرا عما تواجهه الثورة الليبية بما في ذلك اعتمادها على جبش مدني كانت تنقصه الخبرة و التدريب و  كذلك السلاح والتمويل وقد لجأ قادة الثورة الأمريكية إلى طلب المساعدة من فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية لسد هذا النقص.
2.       الثورة الفرنسية انطلقت بهجوم العامة على حصن الباستيل وتحرير المساجين سنة 1789 وقد تأثرت بالثورة الأمريكية وكذلك أفكار التنوير المنتشرة آنذاك في أوروبا و كانت ردا شعبيا على الظروف الإقتصادية المتهاوية واستبدلت نظام الحكم الملكي و الإقطاعي و الكنيسي  في فرنسا بنظام جمهوري وبرلمان شعبي أثار سخط وتخوف الملكيات الإقطاعية في أوروبا.  لكن سرعان ما تحولت شعارات"الحرية والعدالة والأخوة" إلى حكم دموي يقوده روبسبيير الذي اعتمد سياسة المقصلة والتي راح ضحيتها الملك لويس السادس عشر نفسه الذي كان قد أسند الثورة الأمريكية ومن بعده آلاف الضحايا في ما عرف بسنوات الرعب. في الوقت نفسه ازدادت الأوضاع الإقتصادية سوءا وتعرضت فرنسا الجديدة لحملات خارجية مما أدى إلى سنوات من  الحروب والفوضى  انتهت باستيلاء نابليون بونابارت على مقاليد الأمور في البلاد.
3.       الثورة الرومانية  انطلقت باحتجاجات تيمشوارا ضد حكم الدكتاتور نيكولا شاوسسكو في نهاية سنة  1989 وسرعان ما انتقلت إلى العاصمة بوخارست حيث تم الزحف على قصر شاوسسكو وزوجته اللذين سرعان ما فرا على متن طائرة مروحية ما أن حطت بهما حتى تم اعتقالهما ومن ثم إعدامهما بعد محاكمة صورية سريعة وتجدر الإشارة هنا أن القذافي علق آنذاك على أحداث رومانيا  ناعيا صديقه الدكتاتور ومحذرا الشعب الليبي من مغبة أية محاولة شبيهة ووعد بسحقها  و سرعان ما سرقت هذه الحركة الشعبية والعفوية في رومانيا  من قبل فلول الحكم الشيوعي المخلوع تحت ما سمي بجبهة الإنقاذ الوطنية بقيادة إليسكو الذي رغم وعوده بعدم ترشيح نفسه مضى ليحكم رومانيا لسنوات عدة مستعيتا بالبلطجية ضد حركة الطلاب الاحتجاجية.
4.       الثورة الصومالية أطاحت بنظام سياد بري في بداية التسعينات بعد سنوات من الحكم الدكتاتوري المطلق وفق ما كان يسمى بتجربة "الإشتراكية العلمية" والتي قضت على الأخضر واليابس  في الصومال زد على ذلك سنوات من الحروب والجفاف أدت إلى انهيار اقتصادي شامل وقد لجأ بري إلى بعض الأساليب المشابهة لأساليب القذافي في مواجهة الثورة بما في ذلك تسميم آبار المياه والقضاء على مصادر الرزق للسكان و لإن نجحت الحركة الشعبية في إسقاط نظام بري إلا أنها  فشلت بعده في إقامة دولة نظرا لتغلغل الفكر القبلي و المتطرف وعدم توفر رؤيى موحدة وواضحة لبرنامج ما بعد سقوط  ذلك الدكتاتور.
5.       الثورات العربية المزامنة حاليا للثورة الليبية نجحت إلى حد ما في تونس ومصر  نظرا للحياد النسبي للجيش وكذلك لاعتمادها أسلوب المجتمع المدني النائي عن القبلية لكنها في نفس الوقت ما زالت تواجه مخاطر تسببها النعرات التي تذكيها فلول النظام السابق وربما أيضا جهات أجنبية تبحث عن مصالحها في كلا البلدين ثم  هناك ثورة اليمن التي ما زالت في أوجها والتي تستمد قوتها من انتهاجها مسارا سلميا رغم شراسة قمع السلطة لها و تستفيد في نفس الوقت من قيادة شبابية فعالة تبدو على درجة لا بأس بها من التنظيم والوعي وكذلك لدينا ثورة سوريا التي باتت تتنامى  سريعا و للأسف هي الأخرى تتعرض الآن لقمع مشابه للذي تعرضت وما زالت تتعرض له الثورة الليبية.