Friday, July 22, 2011

ما أشبه اليوم بالأمس في ليبيا








في مثل هذا الشهر منذ سبعين عاما كانت ليبيا ترزح تماما مثلما ترزح اليوم  تحت وطأة ساسلة من أشرس الحملات العسكرية التي شهدتها الحرب العالمية الثانية والتي جرت آنذاك بين كتائب االمحور من جهة وكتائب الحلفاء  من جهة أخرى وكانت أنظار العالم آنذاك مشدودة مثلما هي اليوم نحو أطراف الصحراء الليبية  الشاسعة حيث معارك الكر والفر والألغام والموت.
وما أن انتهت الحرب بانتصارالحلفاء حتى شعروا بالأهمية الإستراجية لليبيا فتسابقوا إليها تماما كما يتسابقون اليوم حيت استحوذت بريطانيا على منطقة برقة في الشرق وطرابلس في الغرب وبسطت قوات "فرنسا الحرة" نفوذها على منطقة فزان في الجنوب... ورغم أن ملامح الثروة النفطية لم تكن قد تأكدت بعد في ذلك الوقت و كانت ليبيا لا زالت تعد من أفقر مناطق العالم إلا أن أهمية موقعها سرعان ما دعت كلا من بريطانيا والولايات المتحدة إلى التحالف لضمها تحت الحماية مخيبة آمال دول كانت هي الأخرى لها أطماعها مثل روسيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا تماما كما هو الحال اليوم.
وها نحن نرى هذه الدول الكبرى ذاتها تعود لنفس الأدوار القديمة في ليبيا بعد أن نجح في استدراجها دكتاتور مجرم يستميت بكرسي الحكم في بلد أمعن في نهبه وتخريبه وتجهيله على مدى أربعة عقود... وقد استدرجها هذه المرة بقمعه ووعيده لشعبه واستدرجها بدهائه وعمالته حتى يخلط الأوراق ويحول الأنظار عن حكمه الفاسد... ويعلق آثار فشله وتخريبه لليبيا على مدى العقود الماضية... يعلق كل ذلك على التدخل الخارجي... و ها نحن نرى نفس هذه الدول بحثا عن مصالحها من جديد... تتبنى مشروع إنقاذ ليبيا من براثن مجرم كانت هي ذاتها قد ساهمت في دعمه وتسليحه بالأمس... ونراها اليوم توحي بأنها تسند الثوار لكنها تمنع عنهم اموالهم وتشح عليهم بالعون وتتباطىء في كسر العتاد الثقيل الذي يهددهم بدعوى أنها ليست على يقين من هويتهم...
وها نحن نرى هذا المجرم في الوقت الذي ينكل  فيه بشعبه ويتظاهر بتوعد القوى العظمى في العلن فهو يستجدي نفس هذه القوى في الخفاء... واعدا إياها بأن يكون خير عميل لها... ويعدها كل ما تشاء كي تخفف الضغط عنه أملا في الإحتفاظ بكرسي الحكم... ونراه أيضا يذكي نار القبلية ويوظفها لأغراضه... ويوهم المحرومين والعاطلين والبسطاء من الليبيين الذين  أجرم في تجهيلهم و سلب حياتهم من قبل... يوهمهم هذا الدجال  بأموال ووظائف وجنة لم يروها من قبل طيلة حكمه الثقيل... محرضا إياهم  يوما بعد يوم أن يموتوا من أجل أن يعيش هو وأولاده... ونرى من هنا وهناك في الداخل والخارج  من يهلل له ويصفق له... ومن يداري عن الشمس جرائمه الصارخة...ومن يمد له طوق النجاة...ولكننا نرى أيضا يوما بعد يوم ليبيين شرفاء يضحون بأرواحهم من أجل إسقاط هذا النظام الفاسد برمته وكافة رموزه...يرابطون بما أوتوا من عتاد زهيد كما رابط أجدادهم بالأمس وهم يصرخون "ليبيا تنزف...ليبيا تعاني...ليبيا تموت...يا الله...يا الله..."

Thursday, July 7, 2011

هل يعول على سماسرة القذافي في قيادة ليبيا الجديدة؟


لا شك أن الأستاذ  مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الإنتقالي في ليبيا  شخص يتمتع  بالإحترام والتقدير لجهوده ومواقفه في هذه المرحلة الحساسة للثورة الليبية وهو مشهود له بحسه الوطني وطيبته  لكن تصريحاته  الأخيرة والمتضاربة حول  كيفية التعامل مع  القذافي بعد سقوطه و إمكانية قبول المجلس المبدئي بإعفائه من المحاكمة  أثارت نوعا من القلق حير الكثيرين خاصة  أن هذا التصريح قد جاء  في أعقاب صدور بيان الإتهام للقذافي وأعوانه من قبل المحكمة الجنائية الدولية ورغم تراجع السيد عبد الجليل عن  هذا الموقف في ما بعد  إلا أن الأمر قد عكس لدى متتبعي الشأن الليبي نمطا من التخبط و التناقض وعدم وضوح الرؤية في مواقف المجلس.

 وبالأمس خاطب رئيس المجلس الأهالي في بنغازي  وأنهى خطابه  بنصائح إرشادبة خمس على سياق ما تحمله خطب الجمعة و لإن كان بعضها كالعناق  يعبر عن رأيه الشخصي فقط و لا يمت بصلة للقضية الليبية المطروحة إلا أن نقطته الأولى أثارت اهتمامي لكونها ذات علاقة مباشرة  بمستقبل ليبيا السياسي فقد دعى السيد عبد الجليل إلى عدم إقصاء المسؤولين السابقين الذين خدموا أو ما زالوا يخدمون نظام القذافي من مناصبهم  في ليبيا الجديدة و الذي يبعث على مزيد من القلق هو تزامن هذا التصريح للسيد عبد الجليل مع تصريحات غربية أخرى مشابهة .

والمتتبع للشأن العراقي يعي جيدا الجدل القائم حول أسباب الفشل الذي أعقب الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بنظام صدام حسين حيث أوعز البعض أن حل أجهزة البعث والأجهزة الأمنية كان سببا رئيسيا لهذا الفشل حيث  أنه أحدث فراغا و نقمة في الشارع العراقي  لكن هناك من يقول أيضا أن العوامل الأهم من ذلك تكمن في شيئين أولهما تكالب عناصر انتهازية فاسدة  على الحكم في أعقاب سقوط صدام واستباقها إلى تقاسم السلطة وتغييب الشارغ العراقي  وثانيهما استمرار  النفوذ الأجنبي  الذي قد لا تتفق مصالحه بالضرورة دائما مع المصالح الوطنية العراقية وكلا الأمرين وارد في الحالة الليبية أيضا.

 ولإن كنت أتفق مع الأستاذ عبد الجليل بأنه قد يكون من الحكمة ألاندعو إلى إقصاء  أعوان  القذافي ممن لم يشاركوا في إيذاء الليبيين  خلال حكمه إلا أن هؤلاء للأسف قلة  و لا يعني هذا أن نفتح المجال  لجميع أولائك الذين اختارهم القذافي  لولائهم  دون أي اعتبار للكفاءة و قد كانت هذه كما نعلم سياسة منهجية لنظامه وعرف أعوانه في غالبيتهم  بالنفاق والفساد ونهب المال العام  ناهيك عن الفشل  الإداري فهل نؤمن هولاء مسؤوليات قيادية في ليبيا ما بعد القذافي وإذا حصل هذا لا قدر الله  فالعواقب لا شك ستكون وخيمة وستذهب تضحيات الليبيين وشهدائهم هباءا.

 ويبقى السؤال المهم الذي  ظل و ربما سيظل يطرح نفسه  بعد رحيل  القذافي هو شكل الدولة الجديدة التي يصبو إليها الليبيون والليبيات... سؤال  يخص الليبيين  والليبيات قبل غيرهم و لا بد من عدم التأخير في الخوض فيه ولا بد أن يوضع على رأس جدول أعمال مؤتمر وطني موسع ومفتوح للجميع مباشرة بعد التحرير  والإجابة على هذا السؤال أمر لا شك  أنه يحتاج إلى قدر  كبير من الوعي وبعد النظر ونكران الذات...

 واختيار الإجابة  سيحدد مصير ليبيا  وهي على مفترق طريقين أحدهما يأخذنا إلى بلد يسود فيه الدستور والحداثة  والعلم وتنمو فيه قيم الحرية والكرامة والعدالة وآخر ينزلق بنا إلى مستنقع الدكتاتورية والتخلف من جديد حتى وإن كان ذلك في غلاف جديد:
  • دولة المجتمع المدني  الحديثة أم آخرى  تجرنا إلى الوراء و تكرس الجهل ...
  • دولة تشترط المؤهلات والتخصص  والنزاهة في حكومتها  وأخرى يتكالب على حكمها  انتهازيون و أنصاف متعلمين....
  • دولة تخدم فيها الحكومة شعبها ويراقبها ويسائلها وأخرى يخدم فيها الشعب حكومته وتراقبه وتسائله...
  • دولة تضمن التداول  السلمي على الحكم و  فصل السلطات وحيادية الجيش وأخرى تؤول فيها السلطة للعسكر من جديد...
  • دولة تسمو فوق التعصب الديني والقبلي والعرقي وأخرى تنزلق بنا إلى مستنقع التعصب والجاهلية والقبلية...
  • دولة تسعى إلى تنويع اقتصادنا والخروج به من ضائقة الإعتماد على لعنة النفط وتتعلم من تجارب الآخرين وأخرى لا تفقه في هذا الأمر شيئا ...
  • دولة تعي دور المرأة ونعتبرها شريكا أساسيا للرجل وأخرى تنظر إليها نظرة متخلفة و تحقرها وتحجم دورها...
  • دولة تعي أهمية الشباب ودورهم في بناء المستقبل وتضمن لهم فرص التعليم والتدريب والعمل وأخرى لاتكترث بهم ...
  • دولة  ترعى العلوم والثقافة والإبداع  وأخرى تجهل كل ذلك ...
  • دولة تحارب الفقر والجهل و الفساد والمكتبية  وأخرى تنميها...

فهل ينتصر الوعي وبعد النظر ونكران الذات  يا ترى أم ينتصر الجهل وقصر النظر وحب الذات...إن غدا لناظره لقريب...

النصائح الخمس لمصطفى عبد الجليل